ضريبة الدخل في سوريا: خطوة غير موفقة في هذا التوقيت
- Mazhar Almkhalalati

- 15 يوليو
- 2 دقيقة قراءة

أعلنت وزارة المالية السورية عن ملامح النظام الضريبي الجديد على الدخل، والذي يتضمن نسبًا تتراوح بين 0% و15% حسب القطاع، ويُفترض أن يبدأ تطبيقه اعتبارًا من 1 كانون الثاني 2026، بعد فترة تشاور تنتهي في 30 تموز 2025.
في ظل الوضع الاقتصادي الحرج الذي تمر به سوريا، أجد أن فرض ضريبة دخل على الأفراد في الوقت الحالي هو قرار غير موفق، بل يحمل العديد من الإشارات السلبية التي قد تؤثر على جهود إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات.
الوزارة وصفت النظام بأنه "عصري، تنافسي، مبسط، ومتوافق مع قانون الاستثمار"، لكن من وجهة نظري، كمراقب اقتصادي ومهتم بالواقع السوري، أرى أن توقيت هذه الخطوة غير مناسب إطلاقًا، وأن النظام المقترح يحتاج إلى مراجعة عميقة قبل إقراره.
قبل فرض أي ضريبة… ما هو العائد المتوقع؟
قبل الحديث عن نسب الضريبة، من غير المنطقي أن نفرض ضريبة جديدة دون أن نطرح الأسئلة الأكثر أهمية:
ما هو العائد المتوقع فعليًا من فرض هذه الضريبة؟
كم نسبة الأفراد أو الشركات الذين سيقعون ضمن الشريحة الخاضعة؟
هل توجد بنية محاسبية، مصرفية، وقانونية تسمح بتطبيق هذا النظام بعدالة وفعالية؟
الإجابة الصريحة: لا بعد.
سوريا تعيش أزمة سيولة، قطاع مصرفي ضعيف، قطاع خاص متردد، واستثمار شبه مجمّد. وفرض ضريبة دخل، حتى وإن كانت عادلة نظريًا، قد ينعكس سلبًا على الاقتصاد الكلي في هذه المرحلة.
تحليل سريع للنسب المقترحة:
15% على التجارة والخدمات الإلكترونية.
10% على الصناعة، الصحة، التعليم، الاستشارات، التقنية.
0% على الزراعة، فوائد الإيداع البنكي، وتداول الأسهم.
10% على الأرباح الرأسمالية.
إعفاء كامل لمن دخله السنوي أقل من 12,000 دولار.
رغم أن هذه النسب مصممة بشكل تفاضلي جيد على الورق، إلا أن الخطر ليس في الرقم بل في آلية التطبيق. فبدون:
نظام فوترة إلكتروني،
رقابة مالية شفافة،
إقرار محاسبي موحد،
وبيئة قانونية نزيهة،
لن تكون هناك عدالة، ولا فعالية، بل مجرد نظام تقديري بلباس جديد.
سوريا بحاجة إلى استثمارات… لا ضرائب على الأفراد
نحن الآن في مرحلة يجب أن يكون عنوانها: “جذب رؤوس الأموال، لا الضغط عليها”
فرض ضريبة دخل على الأفراد:
لا يشجع السوريين في الخارج على العودة.
لا يُطمئن المستثمرين الراغبين بفتح مشاريع داخل البلاد.
يزيد من نفور الكفاءات وهروب العقول.
وفي المقابل، نحن بحاجة إلى بيئة ضريبية مشجعة، جاذبة، مبنية على الثقة والاستقرار.
لكن فرض ضريبة دخل على الأفراد والمشاريع الصغيرة في هذا التوقيت، دون خطة دعم أو إعفاءات مرحلية، هو إشارة عكسية تمامًا.النتيجة المتوقعة: مزيد من النفور، التهرب، وتجميد الأموال خارج البلاد.
البديل الأنسب: ضريبة أرباح على الشركات الفعلية
أنا لا أعارض مبدأ الضريبة، لكني أرى أن المرحلة الحالية تتطلب:
التركيز على ضريبة أرباح الشركات المربحة فقط مع ترك مجال تشجيعي للارباح.
تطوير نظام محاسبة وفوترة إلكتروني موحّد على المستوى الوطني.
فرض ضريبة تصاعدية فقط على أصحاب الدخول المرتفعة الذين يستخدمون النظام المصرفي السوري، ما يعزز السيولة بدلًا من سحبها.
تأجيل ضريبة الدخل على الأفراد لحين استقرار السوق، وظهور بيانات مالية قابلة للتحقق.
اطلاق منظومة ضريبة القيمة المضافة بشكل مدروس وتدريجي
الخلاصة:
الضرائب ليست مجرد نسب تُكتب في الجداول، بل أدوات مالية يجب أن تُصمم حسب قدرة السوق، ومرحلة التعافي، والبيئة الاستثمارية.
فرض ضريبة دخل شاملة في سوريا اليوم، قبل بناء البنية التحتية الإدارية والمالية، يشبه فرض ضريبة عقارية في مدينة لم تُبنى بعد.
نحتاج أولًا إلى بناء الثقة، والبنية، ثم ننتقل إلى التحصيل الضريبي على الدخل.



تعليقات